responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 91
وَتَمَسَّكَ بِظَاهِرِ هاته الْآيَةِ وَنَحْوِهَا الْخَوَارِجُ الْقَائِلُونَ بِتَكْفِيرِ مُرْتَكِبِ الْكَبِيرَةِ كَمَا
تَمَسَّكُوا بِنَظَائِرِهَا. وَغَفُلُوا عَنْ تَغْلِيظِ وَعِيدِ اللَّهِ تَعَالَى فِي وَقْتِ نُزُولِ الْقُرْآنِ إِذِ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ قَرِيبٌ عَهْدُهُمْ بِكَفْرٍ. وَلَا بُدَّ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ أَدِلَّةِ الْكتاب وَالسّنة.
[276]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 276]
يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)
اسْتِئْنَافٌ لِبَيَانِ سُوءِ عَاقِبَةِ الرِّبَا فِي الدُّنْيَا بَعْدَ أَنْ بُيِّنَتْ عَاقِبَتُهُ فِي الْآخِرَةِ، فَهُوَ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِتَوَقُّعِ سُؤَالِ مَنْ يَسْأَلُ عَنْ حَالِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يَنْتَهُونَ بِمَوْعِظَةِ اللَّهِ. وَقَوْلُهُ:
وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ اسْتِطْرَادٌ لِبَيَانِ عَاقِبَةِ الصَّدَقَةِ فِي الدُّنْيَا أَيْضًا بِبَيَانِ أَنَّ الْمُتَصَدِّقَ يَفُوزُ بِالْخَيْرِ فِي الدَّارَيْنِ كَمَا بَاءَ الْمُرَابِي بِالشَّرِّ فِيهِمَا، فَهَذَا وَعْدٌ وَوَعِيدٌ دُنْيَوِيَّانِ.
وَالْمَحْقُ هُوَ كَالْمَحْوِ: بِمَعْنَى إِزَالَةِ الشَّيْءِ، وَمِنْهُ مُحَاقٌ الْقَمَرِ ذَهَابُ نُورِهِ لَيْلَةَ السِّرَارِ.
وَمَعْنَى يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا أَنَّهُ يُتْلِفُ مَا حَصَلَ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا، وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ أَيْ يُضَاعِفُ ثَوَابَهَا لِأَنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَقْبَلُ الزِّيَادَةَ إِلَّا بِمَعْنَى زِيَادَةِ ثَوَابِهَا، وَقَدْ جَاءَ نَظِيرُهُ فِي قَوْلِهِ
فِي الْحَدِيثِ: «مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا طيبا تلقاها الرحمان بِيَمِينِهِ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ فَيُرْبِيهَا لَهُ كَمَا يُرْبِي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ»
. وَلَمَّا جُعِلَ الْمَحْقُ بِالرِّبَا وَجُعِلَ الْإِرْبَاءُ بِالصَّدَقَاتِ كَانَتِ الْمُقَابَلَةُ مُؤْذِنَةً بِحَذْفِ مُقَابِلَيْنِ آخَرَيْنِ، وَالْمَعْنَى: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُعَاقِبُ عَلَيْهِ، وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَيُبَارِكُ لِصَاحِبِهَا، عَلَى طَرِيقَةِ الِاحْتِبَاكِ.
وَجُمْلَةُ: وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ أَحْكَامِ الرِّبَا. وَلَمَّا كَانَ شَأْنُ الِاعْتِرَاضِ أَلَّا يَخْلُوَ مِنْ مُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سِيَاقِ الْكَلَامِ، كَانَ الْإِخْبَارُ بِأَنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ جَمِيعَ الْكَافِرِينَ مُؤْذِنًا بِأَنَّ الرِّبَا مِنْ شِعَارِ أَهْلِ الْكُفْرِ، وَأَنَّهُمُ الَّذِينَ اسْتَبَاحُوهُ فَقَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا، فَكَانَ هَذَا تَعْرِيضًا بِأَنَّ الْمُرَابِيَ مُتَّسِمٌ بِخِلَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ.
وَمُفَادُ التَّرْكِيبِ أَنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ أَحَدًا مِنَ الْكَافِرِينَ الْآثِمِينَ لِأَنَّ (كُلَّ) مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ، فَهِيَ مَوْضُوعَةٌ لِاسْتِغْرَاقِ أَفْرَادِ مَا تُضَافُ إِلَيْهِ وَلَيْسَتْ مَوْضُوعَةً لِلدَّلَالَةِ عَلَى

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 91
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست